Sunday, May 17, 2009

العلم الإله

للكاتب: دان براون
ترجمة وتقديم: بدر حمدان الجهوري



يعتبر دان براون أحد أكثر الكُتّاب نجاحا في عصرنا هذا، فقد حققت رائعته "شفرة دافنشي" نجاحا لم يسبق لأي كتاب أن حقق مثله، واعتبرت كتبه الثلاثة الأخرى من أكثر الكتب مبيعا على الإطلاق. وكان أول كتاب له هو كتاب "ملائكة وشياطين" الذي تحدث فيه عن مجموعة إرهابية تطلق على نفسها لقب "المنوِّرون" وتسعى لتدمير مدينة الفاتيكان، وهدفها الأول والأخير الإطاحة بالمعتقدات الدينية واعتبار أن العلم هو إله الكون.

والنص الذي ستقرؤونه هو جزء من الخطبة التي ألقاها الكاميرلينيو – وهو حاجب بابا الفاتيكان – مخاطبا فيها حلفاءه وأعداءه في نفس الوقت.


إلى المنوِّرين، وإلى كل أهل العلم، دعوني أقول لكم هذا.. لقد كسبتم الحرب.. الحرب التي دارت رحاها من زمن بعيد، وأصبح انتصاركم أمرا مقضيا، فلم يكن الأمر واضحا مثل ما هو عليه الآن. العلم هو الإله الجديد، فالطب.. الاتصالات الإلكترونية.. السفر إلى الفضاء.. الهندسة الوراثية.. هذه هي المعجزات التي أصبحنا نحدث أولادنا عنها.. هذه هي المعجزات التي نقدمها أدلة بأن العلم سيجيب على جميع تساؤلاتنا.. فتلك القصص القديمة التي تحكي عن القصص الخيالية، وعن احتراق الأشجار وانقسام البحار، لا تمت لنا بصلة.. فقد أصبح الله نسيا منسيا.

نعم.. لقد انتصر العلم، وإننا لنعترف بذلك ونسلِّم به، ولكن هذا الانتصار كلفنا الكثير.. الكثير جدا.. قد يخفف العلم مآسي الأمراض ويهوّن علينا مشاق العمل، ويسخر لنا وسائل المتعة والراحة، إلا أنه تركنا في عالمٍ بلا عجائب؛ فقد تقلص ذلك الغروب الباهر إلى موجات وترددات، وتمزقت عجائب الكون إلى معادلات رياضية.. حتى قيمتنا كبشر أصبحت صفرا على الشمال، وحتى التكنولوجيا التي تعد بتوحيدنا لا تزيدنا إلا تشتتا، ورغم أن كل واحد منا متصل بالآخر في هذا العالم عن طريق الاختراعات الإلكترونية إلا أننا نظل وحيدين.

أنظروا إلى حالنا.. لقد أصبحت أرضنا مرتعا للعنف والتفرقة والخيانة، ومبدأ الشك فضيلة، والبحث الدؤوب عن الأدلة والبراهين أفكارا نيرة. فهل هناك ما يدعو للغرابة في أن يشعر الإنسان بالكآبة والانهزام في عصرنا هذا أكثر من أي وقت مضى؟ هل يحمل العلم في طياته شيئا مقدسا؟ يبحث عن الأجوبة بسبر أغوار أجنتنا التي لم تولد بعد، بل ويفترض جدلا بإعادة ترتيب حمضنا النووي.. يفتت هذا العالم إلى قطعٍ أصغر وأصغر في سبيل البحث عن أجوبة، ولكنه لا يجد سوى مزيدٍ من الأسئلة.

انتهت هذه الحرب الأزلية بين العلم والدين، فقد فزتم، ولكنكم لم تفوزوا بنزاهة، لم تفوزوا بالأجوبة التي قدمتموها لنا، بل فزتم بعدما غيرتم مجتمعنا تغييرا جذريا بحيث أضحت الحقائق التي كنا نهتدي بها غير قابلة للتطبيق.

لا يمكن للدين أن يواكب كل هذا، فالتطور العلمي ينتشر بسرعة رهيبة ويلتهم نفسه كوباء، وكل اكتشاف علمي يفتح أبوابا وآفاقا جديدة لاكتشافات أخرى.. استغرق الإنسان آلاف السنوات لكي ينتقل من العجلة إلى السيارة، ولكنه لم يستغرق سوى بضع عشرات السنوات لينتقل من السيارة إلى الفضاء، والآن نقيس الإنجازات العلمية بالأسابيع بينما الفجوة التي بيننا لا تزداد إلا اتساعا.. وحين نترك الدين نجد أنفسنا في فراغ روحي، ونستصرخ طالبين تفسيرا لكل هذا.. نعم نستصرخ، فنتخيل أننا نرى أطباقا طائرة، ونقيم جلسات للاتصال بالأرواح، ونخوض تجارب لا يستوعبها لا العقل ولا الجسد.. كل هذه الأفكار الشاذة تلبس قناع العلم ولكنها تحمل اللامنطقية في طياتها.. هي ليست سوى صرخة بائسة لروح العصر الحديث المعذبة.. الوحيدة.. والمشلولة بعلمها هي، وبعجزها عن تقبل أي شيء خارج نطاق التكنولوجيا.

تقولون بأن العلم سينقذنا، وأنا أقول أن العلم قد دمرنا، فمنذ أيام جاليليو حاولت الكنيسة إبطاء مسيرة العلم المتواصلة مستخدمة وسائل مضللة في سبيل ذلك، ولكن بنوايا حسنة.. ومع ذلك فالإغراءات أقوى مما يمكن للإنسان مقاومته. ولهذا فأنا أحذركم.. أنظروا حولكم.. هل حافظ العلم على وعوده؟ كلا.. وعود الكفاءة والبساطة لم تنجب لنا سوى التلوث والفوضى، أما نحن فأصبحنا مخلوقات مسعورة مشتتة تسير في طريق الدمار.

من هو "العلم الإله" هذا؟ أي إله هذا الذي يعطي شعبه قوة ولا يعطيهم أي إطار أخلاقي لكيفية استخدامها؟ أي إله هذا الذي يعطي الطفل نارا ولا يحذره بمخاطرها؟ فقاموس لغة العلم ليس فيه ما يفرق بين الصالح والطالح، وكتب العلم تعلمنا كيف نجري تفاعلا نوويا، ولكنها لا تحوي فصلا واحدا يخبرنا إن كان هذا فكرة جيدة أم لا.

سواء عليكم أآمنتم بالله أم لم تؤمنوا، يجب عليكم أن تؤمنوا بهذا.. يجب عليكم أن تؤمنوا بأننا عندما نفقد إيماننا بما هو أقوى منا فإننا نفقد حسنا بالمسؤولية.. الأديان.. جميع الأديان تذكرنا أن هناك دائما ثمة أشياء لا يمكننا فهمها، وأننا مسؤولون تجاهها.. فبالإيمان كلٌّ منّا مسؤول تجاه غيره وتجاه نفسه، وتجاه حقيقة أعلى منه. قد يبدو لنا الدين ناقصا ولكن هذا ما هو إلا لأننا نحن الناقصون، ولو استطاع العالم أن يرى هذه الكنيسة كما أراها أنا، أن يرى ما هو أبعد من هذه الجدران لرأى معجزة في عصر اختفت فيه المعجزات.. هذه المعجزة هي أخوَّة أرواحٍ بسيطة لا تريد سوى أن تكون صوتا للشفقة في عالم تائه.

إننا نقف الليلة على شفا جرفٍ هاوٍ، ولا يسع أحدكم أن يتجاهل هذا.. سواء رأيتم هذا الشر متجسدا في إبليس أو في الفساد أو انعدام الأخلاق، فإنه موجود وقواه تزداد يوما بعد يوم.. إياكم ثم إياكم أن تغفلوا عنها. وهذه القوة مهما بلغت عظمتها فإنها لا بد ستقهر، وسينتصر الخير لا محالة.

استمعوا إلى صوت قلوبكم، ولبوا نداء الله.. معاً يمكننا النجاة من هذه الهاوية..

Sunday, April 26, 2009

اول وآخر محاولة شعرية

أول وآخر محاولة شعرية لأبوجمانة
عودي يا حكاياتي

عودي يا حكاياتي
أعيدي لي بداياتي
أعيدي لي ليالي السعد
وانفضي غبار البعد
وانقذي غريقا غاص
في بحر الحماقات

أنا لولاك ما كنت
سوى طير بلا مأوى
يناجي الرب منكسرا
ينادي المن والسلوى
يغني في كآبته
لقوم شبه أموات

فقومي يا حكاياتي
رموني في جراحاتي
فلا بالخير هم عملوا
ولا عن حالتي سألوا
ولا هبّوا لنجدة من
يبيت أسير آهاتِ

نسوني في دجى الغربة
وحيدا أنزف الدمعة
أصيح بكل ما فيني
ألا من يوقد الشمعة؟
فيشعل نور أفراحي
ويهديني نهاياتي


نظرة من خلال النصف الممتلئ من الكأس

أعجبتني عبارة وضعها أحد الأصدقاء اسما لمشغل البلوتوث في هاتفه المحمول تقول "دعنا نتبلتث معا". عبارة هي في قمة الروعة والإبداع، مشتقة من (تَفَعْلَلَ) وهي صيغة تدل على المطاوعة على فعل معين مثل "دحرجت الكرة فتدحرجت" و "بعثرت الحَبَّ فتبعثر" أو المبالغة مثل "تحمحم وتلعثم وتغمغم" أو الإيهام مثل "تفلسف" .. ولكن لو نظرنا إلى هذه الكلمة لوجدنا أنها تحمل المعاني الثلاثة معا، فضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد.

قد يبدو المثال مضحكا أو حتى سخيفا في أول وهلة ولكن لو نظرنا إلى عدد الكلمات التي تدخل العربية كل يوم لوجدنا أنفسنا ننساق في تيار نحو هاوية لا ندري ألنا خروج منها. يجب علينا أن نعترف أننا خرجنا من سباق الاختراعات والاكتشافات، وأركز على كلمة "خرجنا" لأننا لو كنا في السباق ولو في المؤخرة لكان هذا شرفا لنا، لكننا لم نعد نحمل المؤهلات التي تسمح لنا بالمشاركة أصلا في السباق. الاختراعات تنهال علينا كالوابل ونجد أنفسنا منقسمين إلى ضفتين، ضفة تنبش في معاجم اللغة العربية علها تجد مكافئا لغويا وضفة ترمي بالكلمة الأعجمية بكامل ثقلها على اللغة العربية لتحني ظهر المسكينة. دعونا ننظر إلى هاتين الضفتين عن كثب:

بالبحث والتنقيب بين معاجم اللغة العربية والانتقال من "كتاب العين" إلى "المحيط" إلى "لسان العرب" نجد بعض الضحايا تحت الأنقاض فنخرجهم ونلبسهم لبسة جديدة ونعطيهم بطاقة هوية جديدة ونرمي بهم إلى الشارع على اعتبار أن كلا منهم مكافئ لغوي لكلمة أعجمية، فبعد اختراع السيارة لم يعرف العرب ماذا يسمون هذا الاختراع العجيب فتذكروا كلمة "سيارة" والمراد بها الأقوام السائرون في الصحراء كما جاء في الآية الكريمة (قَالَ قَائِل مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُف وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْض السَّيَّارَة إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) سورة يوسف الآية 10، ثم ألصقوها بهذا الاختراع، وبعدها أتى اختراع أكبر وهو القطار فتذكروا كلمة "قطار" والمقصود بها قافلة الجمال المربوطة واحدا خلف الآخر، ووجدوا تشابها في الصورة وغيابا للمعنى القديم فألصقوا الاسم بالمعنى الجديد. وهناك الكثير والكثير من الأمثلة لعملية "الإحياء" هذه كما يسميها البعض، ولكن هل حقا يمكننا البحث في الأنقاض كل ما صادفنا كلمة جديدة؟ ماذا لو لم نجد شيئا تحت الأنقاض يفي بالغرض؟ هل نخترع كلمة عربية جديدة تشير إلى هذا الاختراع؟ أتذكر الكلمة التي اختارها مجمع اللغة العربية في القاهرة لترجمة Television حيث أنهم لم يستسيغوا كلمة "تلفزيون" بلكنتها الفرنسية المتعجرفة فاخترعوا كلمة "الرائي" على اعتبار أن المشاهدين "يرون" ما يظهر عليه، ولكن ماذا حدث لهذه الكلمة؟ بكل بساطة رفضها الشارع العربي لغرابتها وثقلها على اللسان وفضلوا استخدام الكلمة الأعجمية.

من هنا أقفز إلى الضفة الأخرى – وأحمد الله أنني لم أقع بينهما لأنني وإن كنت أود الغوص في النهر إلا أنه يجب علي اكتشاف الضفتين أولا – لأجد من يباهي بالكلمات الأعجمية ويشير إليها بالبنان على أن لا مكافئ لها، وبالتالي نرى كلمات عربية من مثل "أسانسير" و"شوفير" و"مترو"، ثم يأتي آخرون ويزيدون الطين بلة ليستخدموا كلمات أعجمية لها مقابلات عربية واضحة ولكنهم يرون أن الكلمات الأعجمية هي وحي يوحى فيقولون "وِيل" و"كوفي شوب" و"سكشن" بل وأكاد أقسم أنني شهدت جدلا بين طالبتين على جمع كلمة "سكشن" فالأولى تقول إن الجمع "سكاشن" لأنه تكسير، أما الثانية فتعد الـ"سكشن" مؤنثا سالما ولذا وجب قول "سكشنات".

طبعا لا بد لأجدادنا من بصمة في هذه العملية، ولكن بصمة الأجداد كانت أقل وضوحا لجهلهم بالنطق الصحيح للكلمة الأعجمية مما جلعنا نعتقد أنها فعلا كلمات عربية، والأمثلة كثيرة منها "وارتيم – overtime" و "رونسيد-wrong side" و"جزوز-exhaust".

من هنا وجدت أن لا مكان لي على أي من الضفتين فقفزت إلى النهر، ويا للهول!! وجدت داخل النهر حضارة أخرى هي أشبه بأطلنطس، حضارة وسط ارتأت استعارة الكلمات الأعجمية وصبها في قوالب عربية لتصبح ملكا للكاتب والقارئ العربي على حدٍّ سواء. أساس هذه الحضارة هو الإيمان التام بأن الاستعارة أمر مشروع والدليل أن أكثر من 100 كلمة في القرآن ليست عربية الأصل من مثل "سندس" و"استبرق" وبالتالي يحق لنا استعارة الكلمات الإنجليزية والفرنسية واللاتينية وغيرها ولكن بشرط أن نشكلها ونلبسها حلة عربية، والحل باختصار هو الاشتقاق والأبنية الصرفية، فنأخذ مثلا صيغ الآلة من مثل "مِفْعال" ونضع بداخلها كلمة "تلفزيون" لنحصل على "تلفاز". وغيرها الكثير مثل "مذياع" و "مثقاب". أو نأخذ كلمة تكنولوجيا ونشتق منها الجمع (تكنولوجيات) والنسبة (تكنولوجي).

دعونا نعيش في أطلنطس اللغة العربية ونبتعد عن هذه العنهجية في كتاباتنا.. دعونا ننظر من خلال النصف الممتلئ من الكأس وأن لا نسخر ممن يقول "نتبلتث" لأنه على الأقل بذل جهدا في الصياغة الصرفية للكلمة أقل بكثير من الجهد الذي كان سيبذله لو قال "دعونا نتراسل الصور والنصوص وملفات الفيديو عن طريق نظام الإرسال الذي يعمل بـ ......." ولا أدري البقية..